بقيع الغرقد

روى عُمَر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ ، قَالَ :
أَخْرَجَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَا جَعْفَرٍ 1 ( عليه السَّلام ) مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الشَّامِ فَأَنْزَلَهُ مِنْهُ وَ كَانَ يَقْعُدُ مَعَ النَّاسِ فِي مَجَالِسِهِمْ ، فَبَيْنَا هُوَ قَاعِدٌ وَ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ يَسْأَلُونَهُ إِذْ نَظَرَ إِلَى النَّصَارَى يَدْخُلُونَ فِي جَبَلٍ هُنَاكَ .
فَقَالَ : مَا لِهَؤُلَاءِ أَ لَهُمْ عِيدٌ الْيَوْمَ ؟
فَقَالُوا : لَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ لَكِنَّهُمْ يَأْتُونَ عَالِماً لَهُمْ فِي هَذَا الْجَبَلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَيُخْرِجُونَهُ فَيَسْأَلُونَهُ عَمَّا يُرِيدُونَ وَ عَمَّا يَكُونُ فِي عَامِهِمْ .
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : وَ لَهُ عِلْمٌ ؟
فَقَالُوا : هُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ ، قَدْ أَدْرَكَ أَصْحَابَ الْحَوَارِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى ( عليه السَّلام ) .
قَالَ : فَهَلْ نَذْهَبُ إِلَيْهِ ؟
قَالُوا : ذَاكَ إِلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ .
قَالَ الراوي : فَقَنَّعَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) رَأْسَهُ بِثَوْبِهِ وَ مَضَى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ فَاخْتَلَطُوا بِالنَّاسِ حَتَّى أَتَوُا الْجَبَلَ ، فَقَعَدَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) وَسْطَ النَّصَارَى هُوَ وَ أَصْحَابُهُ ، وَ أَخْرَجَ النَّصَارَى بِسَاطاً ثُمَّ وَضَعُوا الْوَسَائِدَ ثُمَّ دَخَلُوا فَأَخْرَجُوهُ ، ثُمَّ رَبَطُوا عَيْنَيْهِ ، فَقَلَّبَ عَيْنَيْهِ كَأَنَّهُمَا عَيْنَا أَفْعًى ، ثُمَّ قَصَدَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) .
فَقَالَ : يَا شَيْخُ أَ مِنَّا أَنْتَ أَمْ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : بَلْ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَرْحُومَةِ .
فَقَالَ : أَ فَمِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنْتَ أَمْ مِنْ جُهَّالِهِمْ ؟
فَقَالَ : لَسْتُ مِنْ جُهَّالِهِمْ .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : أَسْأَلُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : سَلْنِي .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى ، رَجُلٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَلْنِي ، إِنَّ هَذَا لَمَلِي‏ءٌ بِالْمَسَائِلِ .
ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ سَاعَةٍ مَا هِيَ مِنَ اللَّيْلِ وَ لَا مِنَ النَّهَارِ أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : فَإِذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ وَ لَا مِنْ سَاعَاتِ النَّهَارِ فَمِنْ أَيِّ السَّاعَاتِ هِيَ ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : مِنْ سَاعَاتِ الْجَنَّةِ وَ فِيهَا تُفِيقُ مَرْضَانَا .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : فَأَسْأَلُكَ أَمْ تَسْأَلُنِي ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : سَلْنِي .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى إِنَّ هَذَا لَمَلِي‏ءٌ بِالْمَسَائِلِ ، أَخْبِرْنِي عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ صَارُوا يَأْكُلُونَ وَ لَا يَتَغَوَّطُونَ ، أَعْطِنِي مَثَلَهُمْ فِي الدُّنْيَا ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : هَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُ أُمُّهُ وَ لَا يَتَغَوَّطُ .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : أَ لَمْ تَقُلْ مَا أَنَا مِنْ عُلَمَائِهِمْ .
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : إِنَّمَا قُلْتُ لَكَ مَا أَنَا مِنْ جُهَّالِهِمْ .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : فَأَسْأَلُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : سَلْنِي .
فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى وَ اللَّهِ لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ يَرْتَطِمُ فِيهَا كَمَا يَرْتَطِمُ الْحِمَارُ فِي الْوَحْلِ .
فَقَالَ لَهُ : سَلْ .
فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ دَنَا مِنِ امْرَأَتِهِ فَحَمَلَتْ بِاثْنَيْنِ حَمَلَتْهُمَا جَمِيعاً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَ وَلَدَتْهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَ مَاتَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ، عَاشَ أَحَدُهُمَا خَمْسِينَ وَ مِائَةَ سَنَةٍ ، وَ عَاشَ الْآخَرُ خَمْسِينَ سَنَةً ، مَنْ هُمَا ؟
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : عُزَيْرٌ وَ عَزْرَةُ ، كَانَا حَمَلَتْ أُمُّهُمَا بِهِمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ وَ وَضَعَتْهُمَا عَلَى مَا وَصَفْتَ ، وَ عَاشَ عُزَيْرٌ وَ عَزْرَةُ كَذَا وَ كَذَا سَنَةً ، ثُمَّ أَمَاتَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عُزَيْراً مِائَةَ سَنَةٍ ، ثُمَّ بُعِثَ وَ عَاشَ مَعَ عَزْرَةَ هَذِهِ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَ مَاتَا كِلَاهُمَا فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ .
فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ : يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى مَا رَأَيْتُ بِعَيْنِي قَطُّ أَعْلَمَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ حَرْفٍ وَ هَذَا بِالشَّامِ ، رُدُّونِي .
قَالَ الراوي : فَرَدُّوهُ إِلَى كَهْفِهِ ، وَ رَجَعَ النَّصَارَى مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) 2 .

  • 1. أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
  • 2. الكافي : 8 / 122 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .

أحدث الاخبار

موكب أهالي كربلاء يحيي شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) عند مرقد الإمام الكاظم (عليه السلام)

موكب أهالي كربلاء يحيي شهادة الإمام الصادق (عليه ا...

أحيا موكب أهالي كربلاء المقدسة، ذكرى شهادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عند مرقد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، بالتعاون مع قسم الشعائر والمواكب والهيئات الحسينية. وقدّم الم...

خدمة العتبتين المقدستين يُحيون ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) عبر موكب عزاء موحد

خدمة العتبتين المقدستين يُحيون ذكرى شهادة الإمام ا...

أحيا خدمة العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية ذكرى شهادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، عَبرَ موكب عزاء موحد. وقدّم الموكب التعازي بهذه المناسبة الأليمة، بمشاركة عضوي مجلس إدا...

طلبة العلوم الدينية في كربلاء ينظمون مسيرة عزائية بذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)

طلبة العلوم الدينية في كربلاء ينظمون مسيرة عزائية...

نظم طلبة العلوم الدينية في محافظة كربلاء المقدسة مسيرة عزائية بذكرى شهادة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام). وقال المشرف على مدرسة دار العلم في العتبة العباسية المقدسة، ‏السيد ح...